responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 92
فَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ.
وَيُرْوَى أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْكُفَّارِ رَفَعَ صَوْتَهُ. وَقَالَ: / إِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَلَا أَتُوبُ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَسَمِعَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ وَقَالَ: «وَضَعَ الْحَقَّ فِي أَهْلِهِ»
الثَّالِثُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ يُرْضُوهُمَا فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِ:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْعَالِمَ بِالْأَسْرَارِ وَالضَّمَائِرِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِخْلَاصُ الْقَلْبِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، فَلِهَذَا السَّبَبِ خَصَّ تَعَالَى نَفْسَهُ بِالذِّكْرِ. الْخَامِسُ: لَمَّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ رِضَا الرَّسُولِ مُطَابِقًا لِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَامْتَنَعَ حُصُولُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا وَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا كَمَا يُقَالُ: إِحْسَانُ زَيْدٍ وَإِجْمَالُهُ نَعَشَنِي وَجَبَرَنِي. السَّادِسُ: التَّقْدِيرُ:
وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وَرَسُولُهُ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ: إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ عَلَى مَا ادَّعَوْا. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ بِصِحَّةِ دِينِ الرَّسُولِ إِلَّا أَنَّهُمْ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ حَسَدًا وَعِنَادًا، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ تَعَالَى: إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى رِضَا اللَّهِ لَا يَحْصُلُ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ، مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ، وَيَبْطُلُ قَوْلُ الْكَرَّامِيَّةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ إِلَّا القول باللسان.

[سورة التوبة (9) : آية 63]
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا، شَرْحُ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: قَوْلُهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ خِطَابٌ لِمَنْ حَاوَلَ الْإِنْسَانُ تَعْلِيمَهُ مُدَّةً وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ التَّعْلِيمِ ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ بَعْدَ هَذِهِ السَّاعَاتِ الطَّوِيلَةِ وَالْمُدَّةِ الْمَدِيدَةِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ طَالَ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ، وَكَثُرَتْ نِهَايَاتُهُ لِلتَّحْذِيرِ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالتَّرْغِيبِ فِي طَاعَتِهِ، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ:
أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ ضَمِيرُ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْأَمْرَ وَالشَّأْنَ كَذَا وَكَذَا. وَالْفَائِدَةُ فِي هَذَا الضَّمِيرِ هُوَ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ بَعْدَ كَلِمَةِ (أَنَّ) ذَلِكَ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَثِيرُ وَقْعٍ. فَأَمَّا إِذَا قُلْتَ الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ كَذَا وَكَذَا أَوْجَبَ مَزِيدَ تَعْظِيمٍ وَتَهْوِيلٍ لِذَلِكَ الْكَلَامِ. وَقَوْلُهُ: مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ قَالَ اللَّيْثُ: حَادَدْتُهُ أَيْ خَالَفْتُهُ، وَالْمُحَادَدَةُ كَالْمُجَانَبَةِ وَالْمُعَادَاةِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْحَدِّ، وَمَعْنَى حَادَّ فُلَانٌ فُلَانًا، أَيْ صَارَ فِي حَدٍّ غَيْرِ حَدِّهِ كَقَوْلِهِ:
شَاقَّهُ أَيْ صَارَ/ فِي شِقٍّ غَيْرِ شِقِّهِ، وَمَعْنَى يُحادِدِ اللَّهَ أَيْ يَصِيرُ فِي حَدٍّ غَيْرِ حَدِّ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ بِالْمُخَالَفَةِ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: الْمُحَادَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْحَدِيدِ حديد السلاح، ثم للمفسرين هاهنا عِبَارَاتٌ: يُخَالِفُ اللَّهَ، وَقِيلَ يُحَارِبُ اللَّهَ، وَقِيلَ يعاند الله. وقيل يعاد اللَّهَ.
ثُمَّ قَالَ: فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ: فَحَقٌّ أَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ. الثَّانِي: مَعْنَاهُ فَلَهُ نَارُ جَهَنَّمَ، وَأَنَّ تُكَرَّرُ لِلتَّوْكِيدِ. الثَّالِثُ: أَنْ نَقُولَ جَوَابُ (مَنْ) مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَهْلِكْ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ كَسْرُ (أَنَّ) عَلَى الِاسْتِئْنَافِ مِنْ بَعْدِ الْفَاءِ وَالْقِرَاءَةُ بِالْفَتْحِ.
وَنَقَلَ الْكَعْبِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْكَسْرِ مَوْجُودَةٌ. قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ جَهَنَّمُ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَحْكُونَ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّ الْبِئْرَ الْبَعِيدَةَ الْقَعْرِ تُسَمَّى الْجِهِنَّامَ عِنْدَهُمْ، فَجَازَ فِي جَهَنَّمَ أَنْ تَكُونَ مَأْخُوذَةً مِنْ هَذَا اللَّفْظِ، ومعنى

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 92
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست